فصل: (مسألة: زكاة اللقطة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[باب صدقة المواشي وأحكام الملك]

لا تجب زكاة العين في الماشية إلا في الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم؛ لأن الأخبار وردت بإيجاب الزكاة فيها، فأما الخيل والبغال والحمير والعبيد: فلا تجب فيها زكاة العين، وروي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وبه قال عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومالك، والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة: (إن كانت الخيل ذكورًا وإناثًا.. وجبت فيها الزكاة، وإن كانت ذكورًا أو إناثًا، ففيها روايتان).
وزكاتها عنده: إن شاء مالكها.. أعطى عن كل فرس دينارًا، وإن شاء.. قومها، وأعطى ربع عشر قيمتها.
دليلنا: ما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق».
ولأنها تقتنى للزينة لا للنماء، فلم تجب فيها الزكاة، كثياب البدن.
ولا تجب الزكاة فيما تولد بين الغنم والظباء، سواء كانت الأمهات من الغنم أو من الظباء.
وقال أبو حنيفة: (إن كانت الأمهات غنمًا، والفحل ظبيًا.. وجبت فيها الزكاة، وإن كانت الأمهات من الظباء، والفحل من الغنم.. لم تجب فيها الزكاة).
وقال أحمد: (تجب فيها الزكاة بكل حال).
دليلنا: أنه متولد بين أصلين لا زكاة في أحدهما بحال، فأشبه إذا كانت الأمهات ظباء، وهذا على أبي حنيفة.
وعلى أحمد: حيوان تولد بين وحشي وأهلي، فلم تجب فيه الزكاة، كما لو كان الأبوان من الوحشي.
وإن ملك بقر الوحش.. لم تجب فيها الزكاة.
وقال أحمد في إحدى الروايتين: (تجب فيها الزكاة).
دليلنا: أنه حيوان لا يجزئ في الأضحية، فلم تجب فيه زكاة العين، كالظباء وغيرها.
وأما الماشية الموقوفة عليه إذا حال عليها الحول: فهل تجب فيها الزكاة؟
إن قلنا: إن الملك ينتقل فيها إلى الله تعالى.. لم تجب فيها الزكاة. وإن قلنا: إنه ينتقل إلى الموقوفة عليه.. ففيه وجهان:
أحدهما: لا تجب عليه فيها الزكاة؛ لأن ملكه عليها ناقص.
والثاني: يجب عليه فيها الزكاة؛ لأنه يملكها ملكًا تامًا مستقرًا، فهو كالمطلق.
فإذا قلنا بهذا: فقد قال بعض أصحابنا: يخرج الزكاة منها؛ لأنها كالمطلق على هذا.
والذي يقتضي المذهب عندي: أن يبنى على القولين في محل وجوب الزكاة:
فإن قلنا: إنها تجب في عين المال.. كان له إخراج الزكاة منها.
وإن قلنا: إنها تجب في الذمة.. أخرجها من ماله المطلق. وما قاله الأول لا يصح؛ لأنها لو كانت كالمطلق.. لجاز له بيعها.
وأما إذا وقف عليه نخلًا أو كرمًا.. وجبت زكاة الثمرة على الموقوف عليه، قولًا واحدًا؛ لأنه يملك الثمرة ملكًا تامًا.

.[مسألة: زكاة المغصوب ونحوه]

إذا غصب له مال، أو ضاع، أو أودعه، فجحده المودع، أو وقع في بحر لا يمكنه إخراجه، أو دفنه في موضع، ونسي موضعه حتى حال عليه حول، أو أحوال.. لم يجب عليه إخراج الزكاة عنه قبل أن يرجع إليه؛ لأنه لا يلزمه زكاة مال لا يقدر عليه.
فإن رجع إليه المال من غير نماء.. ففيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا تجب عليه فيه الزكاة، وينقطع حوله). وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه ناقص التصرف فيه، فلم تجب عليه فيه الزكاة، كالمكاتب، ولأن الزكاة إنما تجب في الأموال النامية، وهذا لا نماء له، فلم تجب عليه فيه الزكاة، كالبغال والحمير.
والثاني: قال في الجديد: (يجب عليه فيه الزكاة). وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». وهذا قد حال عليه الحول، ولأنه مال له يملك المطالبة به، ويجبر من هو بيده على تسليمه، فهو كما لو كان في يد وكيله.
فإن عاد إليه في أثناء الحول:
فعلى القول القديم: يستأنف الحول. وعلى الجديد: يبني الحول.
وإن كان معه أربعون من الغنم، فغصبت منها واحدة، ثم رجعت إليه:
فعلى القول القديم: ينقطع الحول، فيستأنفه حين تعود. وعلى الجديد: لا ينقطع.
وإن رجعت إليه الماشية مع نمائها.. ففيه طريقان:
قال أبو العباس: تجب عليه فيها الزكاة، قولا واحدا؛ لأن النماء قد رجع إليه.
وقال عامة أصحابنا: هي على القولين؛ لأن المانع من وجوبها الحيلولة بينه وبين ذلك، وذلك لا يعود بعود النماء.

.[فرع: حبس عن الوصول لماله]

وإن أسر المشركون أو المسلمون رجلا من المسلمين وحبسوه عن ماله، وحال عليه أحوال.. فهل يجب عليه إخراج زكاته إذا تمكن؟ فيه طريقان:
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالمغصوب.
ومنهم من قال: يجب عليه قولا واحدا؛ لأنه يملك بيعه.
وإن اشترى من رجل نصابا، وبقي في يد البائع، ولم يقبضه المشترى حتى حال عليه الحول ففيه ثلاث طرق، حكاها في "الإبانة" [ق\121]:
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالمغصوب.
وقال صاحب " التقريب ": عليه الزكاة، قولا واحدا؛ لأنه يمكنه انتزاعه من يد البائع في الحال، فهو كالمال في يد وكيله.
وقال القفال: لا زكاة عليه، قولا واحدا؛ لأنه لا يصح تصرفه فيه بالبيع والهبة.

.[مسألة: زكاة اللقطة]

وإذا ضاع من رجل نصاب من الأثمان، والتقطه آخر، وأقام في يد الملتقط حولا، وعرفه.. فإن زكاة العام الأول لا تجب على الملتقط، قولا واحدا؛ لأنه لم يملكه فيه، وهل تجب على المالك زكاة العام الأول إذا رجع إليه؟ فيه قولان، كالمال المغصوب.
وأما العام الثاني: فإن لم يختر الملتقط تملكها:
فإن قلنا: تدخل اللقطة في ملك الملتقط بنفس التعريف.. فهو كما لو اختار تملكها على ما يأتي بيانه.
وإن قلنا بالصحيح: وأنها لا تدخل في ملكه إلا بالتملك.. فإنه لا زكاة على الملتقط في هذا العام الثاني؛ لأنه لم يملكها.
وأما المالك: فهل يجب عليه زكاتها إذا رجعت إليه العام الثاني؟
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالعام الأول.
ومنهم من قال: لا تجب عليه زكاتها، قولا واحدا؛ لأن للملتقط أن يختار تملكها، ويزيل ملكها.
فعلى هذا: لا تجب زكاة هذا المال على أحد للعام الثاني، وهذا ليس بصحيح؛ لأن ذلك ليس بأولى مما بعد التملك.
وإن اختار الملتقط تملكها في أول الحول الثاني بعد التعريف.. فإنه يملكها، فإذا تم الحول من حين تملكها.. فهل تجب عليه زكاة هذا المال؟ ينظر فيه:
فإن كان له مال بقدر هذه اللقطة.. وجب عليه زكاتها.
وإن لم يكن له مال سوى هذه اللقطة.. فهل تجب عليه زكاتها؟ فيه قولان، بناء على القولين في الدين، هل يمنع وجوب الزكاة؟ على ما يأتي بيانه.
وأما المالك: فهل يجب عليه إخراج الزكاة للأحوال بعد التملك إذا رجعت إليه؟ فيه قولان، كالمغصوب، فإذا أوجبنا عليهما الزكاة.. وجبت زكاتان في حول واحد؛ لأجل مال واحد، وإن أسقطنا عنهما الزكاة.. فهذا مال يملكه حر مسلم، ولا زكاة فيه.

.[مسألة: الدين يستغرق النصاب]

وإذا كان له نصاب من المال، وعليه دين يستغرق ماله، أو ينقصه عن النصاب.. فهل تجب عليه الزكاة فيه؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (لا تجب عليه فيه الزكاة). وبه قال الحسن، والليث، والثوري، وأحمد.
ووجهه: ما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال في المحرم: (هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين.. فليقضه، ثم ليزك بقية ماله).
ولأنه حق يتعلق بماله، فمنع منه الدين، كالحج.
والثاني: قال في الجديد: (تجب فيه الزكاة). وبه قال حماد بن أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك رحمة الله عليهم، وهو الصحيح.
ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في خمس من الإبل شاة، وفي أربعين شاة شاة». ولم يفرق.
ولأن الدين يجب في الذمة، والزكاة تجب في عين ماله، فلم يمنع أحدهما الآخر، كما لو كان عليه دين، وله عبد، فجنى.
قال الشيخ أبو حامد: ولا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة، ولا فرق بين أن يكون الدين من جنس ما بيده، أو من غير جنسه.
فإن كان معه مائتا درهم، وعليه دين مائتا درهم، وله دار أو عروض قيمتها مائتا درهم.. وجبت عليه الزكاة في المأتي درهم، قولا واحدا، ويكون الدين في مقابلة الدار والعروض.
وقال مالك: (إن كان ذلك الدين من الذهب أو الفضة.. منع وجوب الزكاة، وإن كان من غيرهما.. لم يمنع).
وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\121] أن من أصحابنا من قال: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول آخر: (إن الدين يمنع الزكاة في الأموال الباطنة، ولا يمنع في الظاهرة).
ومنهم من أنكر ذلك.
وحكى أيضا: أن من أصحابنا من قال: القولان إذا كان الدين من جنس ما بيده، فإن كان من غير جنسه.. لم يمنع.
ومنهم من قال: لا فرق، وهو الصحيح، وهو طريقة أصحابنا البغداديين.

.[فرع: من نذر التصدق بماله]

إذا كان بيده مائتا درهم، فقال: لله علي أن أتصدق بها، وحال الحول، وهي بيده.. فهل تجب فيها الزكاة؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: فيه القولان في الدين، هل يمنع وجوب الزكاة؟
ومنهم من قال: لا تجب عليه الزكاة فيها، قولا واحدا، وهو الأصح؛ لتعلق النذر بعينها.
وإن نذر أن يتصدق بمأتي درهم في ذمته، فحال الحول على مائتين، وهي في يده:
فمن أصحابنا من قال: فيه قولان في الدين، هل يمنع وجوب الزكاة؟
ومنهم من قال: تجب الزكاة فيها قولا واحدا، وهو الأصح؛ لأن الحق فيه لله تعالى، وهو يقبل المسامحة، بخلاف دين الآدمي، فإنه مبني على التشديد.

.[فرع: زكاة المحجور عليه]

وإن حجر الحاكم عليه لديون عليه، ثم حال الحول على ماله، فإن حال الحول بعد أن فرق الحاكم ماله على الغرماء، وقبضوه.. لم تجب عليه فيه الزكاة، وكذلك إذا لم يقبضوه ولكن قد نظر الحاكم إلى قدر دينه، وإلى عيون ماله، وجعل لكل واحد عينا بدينه.. فإنه لا زكاة على ما ملكه؛ لأن ملكه قد زال.
وإن كان موجودا في يده: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولهم أن يأخذوه حيث وجدوه).
فاعترض الكرخي عليه، وقال: أباح الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لهم انتهاب ماله.
قلنا: هذا خطأ؛ لأن الحاكم إذا عين لكل واحد عينا.. جاز له أخذها حيث وجدها.
وإن حجر عليه الحاكم، ولم يفرق ماله، ولا عين لكل إنسان عينا، فحال عليه الحول:
فإن قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة.. لم تجب الزكاة هاهنا، قولا واحدا.
وإن قلنا: الدين لا يمنع وجوب الزكاة ففيه ثلاثة طرق:
من أصحابنا من قال: فيه قولان، كالمال المغصوب.
وقال أبو إسحاق: إن كان من الماشية.. وجبت فيه الزكاة؛ لأنه يحصل له نماؤها، وإن كان من غير الماشية.. ففيه قولان، كالمال المغصوب.
وقال أبو علي في "الإفصاح": تجب الزكاة في الماشية وغيرها، قولا واحدا؛ لأن الحجر لا يمنع وجوب الزكاة، كالحجر على السفيه والمجنون. والطريق الأول أصح.

.[فرع: إقرار المحجور عليه بوجوب الزكاة]

إذا أقر قبل الحجر بوجوب الزكاة عليه:
قال ابن الصباغ: فإن صدقه الغرماء.. ثبت، وإن كذبوه.. فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه أمين فيها، فإذا ثبتت: فأيهما يقدم؟ فيها ثلاثة أقوال، يأتي بيانها.
فإن أقر بها بعد الحجر. فعلى القولين في المحجور عليه إذا أقر بدين بعد الحجر عليه، ويأتي بيانها في (التفليس) إن شاء الله تعالى.

.[مسألة: زكاة السائمة]

وتجب الزكاة في سائمة الإبل والبقر والغنم.
فأما المعلوفة منها: فلا تجب فيها الزكاة، وبه قال الليث، وسفيان، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: (تجب الزكاة في المعلوفة).
وقال داود: (لا تجب في معلوفة الغنم، وتجب في معلوفة البقر والإبل).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في سائمة الغنم زكاة». فدل على أنه لا زكاة في المعلوفة، وإذا ثبت ذلك في الغنم.. ثبت في غيرها من المواشي قياسا عليها.
وأما العوامل من الإبل والبقر: إذا كانت غير سائمة.. فلا زكاة فيها، كأثاث الدار، وإن كانت سائمة.. ففيه وجهان، حكاهما في "العدة":
أحدهما: وبه قال الجويني، ومالك -: (أنه تجب فيهما الزكاة)؛ لأن الملك والسوم موجودان، فإذا انتفع بهما من وجه.. كان أولى بإيجاب الزكاة.
والثاني - وهو الأصح -: أنه لا تجب فيها الزكاة؛ لما روى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في العوامل شيء». وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس في الإبل العوامل صدقة»، ولأنها ليست مرصدة للدر والنسل، فأشبهت البغال والحمير.
فإن أسيمت الماشية في كلأ مملوك.. فهل هي سائمة، أو معلوفة؟ فيه وجهان.
وإن أسيمت الماشية في بعض الحول، وعلفت في بعضه.. ففيه ثلاثة أوجه، حكاها ابن الصباغ:
أحدها من أصحابنا من قال: إن علفها يوما أو يومين.. لم يبطل حكم السوم، وإن علفها ثلاثة أيام.. بطل حكم السوم؛ لأنها لا تصبر عن العلف ثلاثة أيام، وتصبر دون ذلك ولا تتلف.
والثاني: منهم من قال: يثبت العلف بأن ينوي علفها، ويعلفها وإن كان مرة، كما إذا كان له ذهب، فنوى صياغته، وصاغه.. انقطع الحول.
والثالث: يراعي الأكثر، فإن كان الغالب السوم.. كان الحكم له، وإن كان الغالب العلف.. كان الحكم له، وهو قول أبي حنيفة، كما إذا سقى الزرع بماء السماء والناضح.. اعتبر الغالب.

.[فرع: غصب من نصابه]

فإن كان عنده نصاب من المعلوفة، فغصبها غاصب، فعلفها، فرجعت إلى مالكها.. فلا زكاة على مالكها، قولا واحدا.
وإن كان عنده نصاب من السائمة، فغصبها غاصب منه، فأسامها.. فهل تجب على مالكها الزكاة إذا رجعت إليه؟ فيه قولان، قد مضى ذكرهما.
وإن أسامها المالك بعض الحول، فغصبت منه، ثم علفها الغاصب باقي الحول: فمن أصحابنا من قال: في وجوب الزكاة على المالك إذا رجعت إليه قولان:
أحدهما: تجب عليه؛ لأن علف الغاصب لا حكم له، فصار كما لو كان المغصوب ذهبا أو فضة، فصاغه الغاصب حليا.
والثاني: منهم من قال: لا تجب الزكاة على المالك إذا رجعت إليه، قولا واحدا، وهو الصحيح؛ لأنه فقد السوم، وهو شرط في الزكاة فهو كما لو ذبح الغاصب شاة من النصاب.
وإن علفها المالك بعض الحول ثم أسامها الغاصب بعض الحول.. فمن أصحابنا من قال: فيه قولان، كما لو غصب منه طعاما، فبذره.
ومنهم من قال: لا تجب الزكاة، قولا واحدا، وهو الصحيح؛ لأن قصد المالك معتبر في السوم، وقصد المالك لم يوجد هاهنا، فهو كما لو رتعت الماشية بنفسها، ويخالف البذر، فإن قصده غير معتبر، ولهذا لو تبذر له طعام في أرض، ونبت.. وجب فيه العشر.

.[مسألة: النصاب شرط في الزكاة]

ولا تجب الزكاة إلا في نصاب؛ لأن الأخبار إنما وردت بإيجاب الزكاة في النصب فإن كان عنده نصاب من الماشية، فتلفت منها واحدة، أو باعها، ثم ولدت أخرى.. استأنف الحول من حين ولدت؛ لأن الحول انقطع بموت الأولى.
وإن ولدت واحدة، وتلفت واحدة في حالة واحدة.. لم ينقطع الحول؛ لأن الحول لم يخل من نصاب.
وهكذا: لو شك: هل كان التلف والولادة في حالة واحدة، أو سبق التلف؟ لم ينقطع الحول؛ لأن الأصل بقاء الحول.
وإن خرج بعض الحمل من الجوف، ثم تلفت واحدة قبل أن ينفصل الحمل.. انقطع الحول؛ لأن حكمه قبل الانفصال حكم الباقي في البطن.

.[مسألة: الأموال على أقسام]

الأموال على ثلاثة أضرب:
ضرب: لا ينمو في نفسه، ولا يرصد للنماء، كالعقار والثياب والصفر ومتاع البيت، وذلك: أنه ما بقي، فإنه على النقصان، فلا تجب الزكاة في شيء منه؛ لأنه لا يحتمل المواساة.
وضرب: ينمو في نفسه، ويؤخذ نماؤه دفعة واحدة، كالزرع والثمار، فهذا تجب فيه الزكاة، ولكن لا يعتبر في زكاته الحول، بل متى وجد نماؤه.. وجبت فيه الزكاة.
والضرب الثالث: مما ينمو حالا بعد حال، فهو المواشي والذهب والفضة، فهذا تجب فيه الزكاة، ولكن لا تجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه، وهو قول كافة العلماء.
وحكي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: (من استفاد مالا.. فعليه أن يزكيه في الحال).
و: (كان ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا قبض عطاءه من بيت المال.. زكاه في الحال).
دليلنا: ما روى علي، وأنس، وعائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»، ولأن الزكاة تجب نعمة على المسلمين، والجزية تجب نقمة على الكفار، ثم ثبت أن الجزية لا تجب إلا بعد الحول، فالنعمة بذلك أولى.

.[فرع: بيع ما لم يمر عليه الحول]

وإن مضى عليه بعض الحول، فباع النصاب الذي عنده، أو بادل به إلى نصاب.. انقطع الحول.
وإن مات.. فهل يبني وارثه على حول مورثه؟ فيه قولان:
الأول: قال في القديم: (يبني عليه)؛ لأن من ورث مالا.. ورثه بحقوقه، كما تورث الشفعة، والرد بالعيب، والوثيقة بالرهن.
والثاني: قال في الجديد: (يستأنف الورثة الحول). وهو الصحيح؛ لأن ملك الميت قد زال، وابتدأ الوارث الملك عليه بموت مورثه، فهو كما لو اشتراه، ويخالف الشفعة، والرد بالعيب، والوثيقة بالرهن، فإن تلك حقوق للمال، والزكاة حق على المال.

.[مسألة: المستفاد خلال الحول]

وإن كان عنده نصاب من السائمة مضى عليها بعض الحول، ثم استفاد شيئا من جنسه ببيع، أو هبة، أو إرث.. فإن المستفاد لا يضم إلى حول ما عنده.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (يضم المستفاد إلى ما عنده). فإذا تم حول ما عنده، جعل المستفاد كأنه موجود من أول الحول.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». والمستفاد لم يحل عليه الحول.
فعلى هذا: ينظر في المستفاد: فإن كان لا يبلغ نصابا في نفسه، ولا يتم به الثاني بأن كان عنده خمس من الإبل، فاستفاد دون الخمس.. فإنها تكون وقصا لا يتعلق بها حكم.
وإن بلغ به النصاب الثاني، مثل: أن يكون عنده ثلاثون من البقر ستة أشهر، ثم استفاد عشرا. فإنه يجب عليه تبيع لحول الثلاثين، وإذا تم حول العشر.. وجب فيها ربع مسنة؛ لأنه تم بها نصاب المسنة.
وفي الحول الثاني: يجب في الثلاثين عند تمام حولها ثلاثة أرباع مسنة، وعند تمام الحول على العشر ربع مسنة.
وإن كان عنده أربعون من البقر ستة أشهر، ثم استفاد عشرا.. لم يجب لأجلها شيء.
وإن استفاد عشرين.. وجبت عليه مسنة عند تمام حول الأربعين، وإذا تم حول العشرين.. وجب عليها فيها ثلثا تبيع.
وإن كان المستفاد يبلغ نصابا بنفسه، ولا يبلغ النصاب الثاني، قال ابن الصباغ: مثل: أن: كان عنده أربعون من الغنم أقامت ستة أشهر، ثم استفاد أربعين من الغنم، فإن الشيخ أبا إسحاق، وابن الصباغ قالا: تجب في الأولى شاة لحولها؛ لأنها انفردت بالحول.
وفي الثانية ثلاثة أوجه:
أحدها: تجب فيها شاة لحولها، كالأربعين الأولى.
والثاني: يجب فيها نصف شاة؛ لأنها خليطة الأربعين الأولى من حين ملكها، فكان حصتها نصف شاة.
والثالث: لا يجب فيها شيء.
فالأول هو الصحيح؛ لأن الأولى انفردت بالحول، ولم تبلغ بالثانية إلى النصاب الثاني، فحصلت وقصا بين النصابين.
قال ابن الصباغ: وهذا إنما يتصور على القول الذي يقول: الزكاة تجب في الذمة، ولم تخرج من الأولى.
فأما إذا قلنا: إنها استحقاق جزء من العين، أو قلنا: في الذمة، فأخرج منها قبل تمام حول الزيادة.. لم يجب في الزيادة شيء؛ لأنه لا يتم بها نصاب ثان، ولم يذكر في "التعليق" و " المجموع " هذه الأوجه الثلاثة، إلا أن أصحابنا ذكروا في الخلطة: إذا ملك في أول المحرم أربعين شاة، وفي أول صفر أربعين، وفي أول ربيع أربعين:
فإن قلنا بقوله القديم، وأن الاعتبار بالخلطة في آخر الحول.. وجب في الجميع شاة، في كل أربعين ثلث شاة عند تمام حولها.
وإن قلنا بقوله الجديد، وأن الاعتبار في الخلطة أن تكون بجميع الحول، وهو الصحيح.. وجب في الأولى شاة لحولها، وفي الأربعين الثانية والثالثة وجهان:
أحدهما: يجب في كل أربعين شاة عند تمام الحول، كالأربعين الأولى.
والثاني: يجب في كل أربعين ثلث شاة عند تمام حولها؛ لأنها خليطة والثمانين عند الوجوب.
وأما الشيخ أبو إسحاق: فذكر الوجه الثاني في الأربعين الثانية يجب فيها نصف شاة؛ لأنها خليطة الأربعين الأولى من أول الحول.
فإن قيل: فما ذكره الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ في الأولى مخالف لما ذكروه في الثانية، وهما في الصورة واحد، فما الفرق بينهما؟
فالجواب: أنه يجوز أن يكونا إنما ذكرا المسألة على القول الجديد في الثانية، ولا يبعد أن يكون على القول القديم: يجب في المسألة الأولى شاة في كل أربعين، نصفها عند تمام حولها، ويكون في الأربعين المستفادة في صفر في المسألة الثانية على القول الجديد أربعة أوجه مخرجة مما ذكروه:
أحدها: يجب فيها شاة لحولها، كالأربعين الأولى.
والثاني: يجب فيها نصف شاة عند تمام حولها، وهو المذكور في "المهذب" فيها؛ لأنها خليطة الأربعين الأولى من حين ملكها.
والثالث: يجب فيها ثلث شاة، وهو المذكور في "التعليق" و "الشامل" فيها؛ لأنها خليطة للثمانين حال الوجوب.
والرابع: أنه لا شيء فيها مخرج مما ذكره الشيخ أبو إسحاق وابن الصباغ في الأربعين الثانية في المسألة الأولى؛ لأنهما قالا: العلة هناك: أن الأربعين الأولى انفردت بالحول، ولم يبلغ المال بالأربعين الثانية النصاب الثاني، فكانت وقصا بين النصابين، فلم يتعلق بها فرض، وهذه العلة موجودة في مسألتنا.
وأما الأربعون المستفادة في ربيع: فيحتمل أن يكون فيها على القول الجديد ثلاثة أوجه:
أحدها: يجب فيها شاة.
والثاني: يجب فيها ثلث شاة.
والثالث: لا شيء فيها، والتعليل فيها ما تقدم في الأربعين الثانية.